کد مطلب:335757 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:541

اللقاء مع الدکتور عبدالفتاح صقر
الدكتور الشیخ عبد الفتاح صقر، من البعثة الأزهریة فی بیروت عائشة بكار (دار الفتوی) أستاذ

فی كلیة الشریعة، وأحیانا یخطب الجمعة فی مسجد دار الفتوی (بیروت). وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدة ما رأیت فیه من بعض المسائل التی جعلتنی أتشنج، فقررت وبدافع قوی أن ألتقی الشیخ عبد الفتاح صقر وذهبت أسأل عنه فی كلیة الشریعة، فقالوا لی فی السكن حالیا، والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبی طالب فنزلت فیها وبدأت أسأل إلی أن وصلت موقع السكن، فصعدت وطرقت الباب، انتظرت قلیلا. وفتح الباب، فقلت للذی فتح الباب أود مقابلة الدكتور الشیخ عبد الفتاح صقر. وإذا به یقول لی تفضل تفضل یا بنی، ودخلت. وجلست لحظات وقال لی من أین أنت أیها الأخ.؟ قلت له من سوریا. أهلا وسهلا أهلا وسهلا نحن وسوریا كنا وحدة، ولا یزال الشعب المصری



[ صفحه 25]



والسوری شعبا واحدا. قلت له نعم، قال ما سؤالك أیها الأخ؟ قلت له: سؤالی شیخنا الجلیل دعانی أحد الأصدقاء ولم أعلم أنه شیعی، لأنی لو كنت أعلم أنه شیعی بصراحة لم أزره، لماذا؟ لأن الشیخ عندنا فی المنطقة دائما یحذرنا من مجالسة الشیعی وعدم محاورته فی المجال الدینی. فقال الشیخ عبد الفتاح صقر: الشیعة عندهم مبالغات كثیرة وكثیر من أقوال رسول الله صلی الله علیه وآله ینسبونها للإمام علی علیه السلام: وعندهم تحریف فی بعض الأحادیث. أیها الشیخ ما رأیكم فی كتاب المراجعات؟ الشیخ عبد الفتاح صقر: إیاك أن تقرأه یا بنی هذا كتاب خیالی كتبه عبد الحسین شرف الدین بعد وفاة شیخ الأزهر الشیخ سلیم البشری أحذرك من قراءته. لا تفرقن بك السبل یا بنی مالك ومال الشیعة؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة!! ودعت الشیخ عبد الفتاح صقر، وطلبت منه الدعاء وأرجعت كتاب المراجعات لصدیقی وأوقفت المطالعة. طیلة فترة خدمة العلم. وأخیرا انتهت خدمة العلم فی عام تسعین وبعد الانتهاء من معركتنا مع میشیل عون اللعین حیث لم أسافر إلی البلد مباشرة، بسبب الفقر المدقع والظروف الصعبة التی یمر بها أهلی، وخاصة الظروف المادیة حیث لم أتمكن من الذهاب إلی أهلی بعد التسریح من خدمتی الإلزامیة فاضطررت علی المكوث فی بیروت وأسكن مع الشباب السوریین فی منطقة تسمی خلدة (مشروع نائل



[ صفحه 26]



السكنی) فكان هناك شباب من القریة والبلد فسكنت معهم، وتركت مهنة التعلیم وكنت أجید مصلحة شاقة وصعبة من الإعدادیة والثانویة حیث كنت أسافر مع عمی أبو طلال إلی بیروت وعلمنی (نجارة الإسمنت والحدید) إذ أصبحت معلما فی هذا المجال، ومكثت أكثر من شهرین بعد انتهائی من الخدمة، وبعد فترة من العمل أكثر من أسبوع جاءتنا عطلة فتوقفت أسبوعا آخر عن العمل وكنت أقف صباحا مع العمال العاطلین، فی هذا المشروع لأن هناك مكانا یشبه المعرض كنت أقف فیه وأنتظر الساعات الطویلة، حتی یأتینی إنسان بحاجة إلی عامل أو معلم حداد أو نجار، وهكذا تجری الأیام واللیالی، وإذا بهذا الصدیق الشیعی (دخل الله) یأتی إلی معرض العمال. فینظر علی وجوه العاملین، فیشاهدنی من بینهم، شتان ما بین الموقفین!! موقف كنت أرتدی البزة العسكریة، وموقف حالیا أرتدی فیه لباس العمل. فقال صدیقی الشیعی: أتشتغل معی تشغلنی فی مصلحة (البلاط)؟ فقلت له: بعد فترة نعم، وبدأنا نشتغل أنا وصدیقی الشیعی سویة وفی الیوم الثانی قال لی: لم لم تحدثنی یا أخی إلی أین وصلت فی كتاب المراجعات؟ فقلت له: والله لم أتمكن من قراءته كما یجب لأن القراءة یا صدیقی تحتاج إلی ذهن صاف لأن العلم كما یقال شدید الانفلات إذا أعطیته كلك أعطاك بعضه وإذا أعطیته نصفك لم یعطك شیئا وأنا كنت مكابرا معه لوصایا علمائنا الحادة من مجالسة الشیعی والحوار معه. وبدأ شبح المراجعات، یطاردنی من جدید، وشبح صدیقی، یطاردنی فی كل مكان أفكر بكلمات الشیخ عندنا فی المنطقة، أفكر بكلمات الدكتور الشیخ عبد الفتاح صقر یا بنی هذا كتاب خیالی كتبه العالم الشیعی بعد وفاة شیخ



[ صفحه 27]



الأزهر. وأحدث نفسی وأصارعها هل أنا أعقل من هذا الدكتور الذی قضی عمره فی الدراسة واختصاصه فی الشریعة الإسلامیة ومن الجامع الأزهر العاصمة الإسلامیة للعالم وذات یوم جاء أخی إلی بیروت لیعمل فی العطلة الصیفیة حیث كان طالبا فی الثانویة فحدثته فی الموضوع وقلت له ما رأیك یا أخی تنزل معی إلی بیروت؟ قال لی لماذا؟ قلت له عندی بعض الأسئلة عن الشیعة؟ وقلت له أیضا بأننی ذهبت فیما سبق إلی دار الفتوی منذ ستة أشهر والتقیت بشیخ مصری، وأرید الیوم الذهاب إلی مسجد برج أبی حیدر یقال أن هناك عالما علامة اسمه الشیخ عبد الله الهرری أود اللقاء معه وفعلا وصلنا أنا وأخی والصغیر (دحام) إلی هذا المسجد والتقیت بشیخ اسمه (طارق اللحام) وبعد أن أدیت فریضة صلاة المغرب خلف سماحة الشیخ اقتربت منه وصافحته وقلت له تقبل الله أعمالكم یا شیخ، فرد علی وأنتم كذلك، فقلت له: شیخنا لدی بعض الأسئلة، فقال لی تفضل: حیث كان یتكلم الفصحی، فقلت له ما رأیك بكتاب المراجعات عند الشیعة؟!! فقال لی الشیخ طارق: من أین أنت؟ قلت له من سوریا وأصلا من ریف حلب وأسكن حالیا فی مدینة القامشلی. وإذا به یسألنی هل قرأت كتاب (ثم اهتدیت) للضال التونسی؟ إذا قرأته أو موجود عندك فاحرقه!! قلت له لأول مرة أسمع باسم هذا الكتاب فقال لی مؤلفه خیالی غیر موجود. اسمه التیجانی السماوی كتبوه الشیعة باسمه علی أنه سنی وتشیع وبدأ یدعو لمذهبهم. ونحن اتصلنا فی تونس فقالوا لنا هذا الاسم غیر موجود.



[ صفحه 28]



وأما عن كتاب المراجعات. أحذرك من قراءته ولا تأخذ علمك من القراءة والصحف فتسمی مصحفیا لأن هناك قواعد للقراءة (فتضلن بك السبل). إذا عندك فراغ أحضر عندنا للدروس لأن العلم عندنا بالتلقی، ومن لیس له شیخ فشیخه الشیطان، وقال لی تفضل إلی المكتبة، وقدم لی كتابا هدیة اسمه (المقالات السنیة فی كشف ضلالات ابن تیمیة) للشیخ عبد الله الهرری فودعت سماحة الشیخ طارق، وقبلت منه الهدیة، وذهبت وبدأ یراودنی الفضول للبحث عن كتاب (ثم اهتدیت) للتیجانی السماوی ورجعت أنا وأخی لمجمع نائل السكنی حیث مقرنا هناك، وبعد فترة أسبوع وإذا بصدیقی الشیعی یقدم لی كتاب (ثم اهتدیت) هذا ما حدثنی به سماحة الشیخ طارق وحذرنی من قراءته وإنه شخص لا أصل له. فأخذت الكتاب وقلت لصدیقی بأن هذا الشخص شخص خیالی. وإذا بالأخ دخل الله یقول لی منذ شهر كان فی بیروت، وأنا رأیته بنفسی. دعك یا أخی من هذه الأقاویل، أنت إنسان متعصب وتفكیرك علی الطریقة التقلیدیة الموروثة دائما تقول لی، الشیخ عندنا قال كذا، والشیخ قال كذا، فكر بعقلیتك. لا بعقلیة الشیخ. فقلت لصدیقی عفوا: أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشیوخ؟ فرد علی صدیقی الشیعی قائلا: أنتم السنة.. الدین عندكم عادة ولیس عبادة.. فقلت له: أفهمنی كیف؟ قال لی: الشیوخ عندكم تصلون بهم إلی درجة القداسة. وبعد قال الشیخ.. لم یبق مجالا إطلاقا للنقاش والحوار معكم. وأنتم الشیعة كیف تتعاملون مع الشیوخ؟ قال: نحن نحترم الشیوخ ولكن



[ صفحه 29]



علی الطریقة المألوفة فی الوسط الشیعی إذا كان هناك خطأ من العالم.. ونبهته إلیه فإنه یتقبل ذلك بكل رحابة صدر فقلت له هل هذا من المعقول؟ عندنا العالم لا یستطیع أحد مناقشته حتی إذا أردت أن تسأل سؤالا ولم یعجبه لا یرد علیه أصلا. وأعطیك مثالا علی ذلك: مرة دخلت إلی المسجد الأموی وقصدت مفتی دمشق فی هذا المسجد وكان برفقتی المهندس عبد الحكیم السلوم لأسأله عن حدیث الفرقة الناجیة والخلفاء الاثنی عشر من هم؟ فأجابنی بكلمة آسف وكررت السؤال وقال لی: آسف.. وكررته ثالثا وقال لی: آسف بصوت عال. فخرجت مخذولا.. لماذا لم یرد علی أسئلتی؟ صدیقی الشیعی: وهل هذا عالم؟ (العالم متواضع، لین، لا یكون فظا غلیظ القلب). یرد علی أسئلة الناس: یجب أن یستقطب الناس من حوله.. لأنه إذا صلح العالم صلح العالم، وإذا فسد العالم فسد العالم. هؤلاء علماء الأمة هم القدوة والأسوة الحسنة فی المجتمع الإسلامی. ولكن نحن الشیعة عندنا مسألة مهمة وهی: الدلیل فی النقاش والحوار والدلیل یجب أن یكون من القرآن والسنة، ویقول إمامنا الصادق صاحب المذهب نحن أبناء الدلیل أین ما مال نمیل. فأجبته هل نحن علی الباطل حتی تقول لی دلیلكم القرآن والسنة؟ ونحن ماذا عندنا؟ ألیس القرآن والسنة؟



[ صفحه 30]



صدیقی الشیعی: یا أخی نفترض جدلا هذا الكتاب كتاب ضلال. لماذا لا یرد علیه علماؤكم السنة؟ قلت له: یردون علی شخصیة خیالیة موهومة، مع الأسف علیك أیها الصدیق إذا أنه إنسان خیالی غیر موجود فكیف یردون علیه؟ صدیقی الشیعی: سؤال: نفترض أن التیجانی شخصیة خیالیة وهمیة غیر موجودة فهل الأدلة الموجودة فی كتابه أیضا خیالیة موهومة وغیر موجودة؟ أجبنی علی ذلك.؟ فأحرجت أمامه لأنی لا أعرف مضمون كتاب (ثم اهتدیت) ومن ثم حذرنی منه الشیخ طارق وقال لی أحرقه. فوقعت بین نارین، بین إحراج الصدیق الشیعی لماذا لا یرد علیه علماؤكم؟ وبین تحذیرات الشیخ طارق إیاك أن تقرأه، فأحرقه! یا إلهی خلصنی من هذا المأزق الشدید الله أكبر.! لماذا لماذا البحث والعناء ما هذه القصة.؟ من أین جاءنی هذا الشیعی لیشوش علی أفكاری وینغص حیاتی وأنا رجل الآن أعمل بالإسمنت والأعمال الشاقة المتعبة المجهدة، فعشت فی صراع حاد مع عقلی ونفسی، عقلی یقول لی اقرأ كتاب ثم اهتدیت وأعرف ما فیه، ونفسی قتلها الخوف والتحذیر من الشیخ طارق. نهارا محرج من الصدیق الشیعی، یقول لی أنت متعصب ولا تأتی بالدلیل ألم تسمع بالبخاری ومسلم؟ فكتاب ثم اهتدیت كل أدلته من البخاری ومسلم فقلت له هناك طبعات للبخاری ومسلم مزورة ومدسوسة. فما بالك یا صدیقی أن التیجانی شخصیة موهومة كما یقول علماؤنا وأتی بأدلة مزورة من البخاری ومسلم.



[ صفحه 31]



فأین أصبح یا صدیقی! دعنی فی حالی وعملی وكلنا إن شاء الله مسلمین (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم). وكلما أصبحنا وأتانا یوم جدید یقول لی فكر... بمذهب أهل البیت علیهم السلام فكر لتنقذ نفسك، بموالاة علی بن أبی طالب علیه السلام. قلت له: أنا وأنت متفقان علی حب علی (كرم الله وجهه) لكن مذهب أهل البیت هذا مصطلح جدید لأول مرة یطرق ذهنی، قلت له: وماذا تقصد من كلمة موالاة علی؟ سألنی الشیعی قائلا: ألم تقل عندكم سیدنا معاویة (رض) قتل سیدنا الحسن (علیه السلام)؟ قلت له نعم: یقول علماؤنا ذلك، بأن سیدنا معاویة (رض) اجتهد فأخطأ فله نصف الأجر. الشیعی: وما تقول فی البخاری؟ المحاور: أصدق كتاب عندنا وهو لا یقبل الشك. الشیعی: ینقل لنا البخاری فی صحیحه حدیثا مشهورا ومتواترا اسأل عنه علماؤكم؟ (یا عمار تقتلك الفئة الباغیة، یدعوهم إلی الجنة ویدعونه إلی النار). ألیس الفئة الباغیة هی فئة معاویة من خلال الحدیث؟ (وهی التی قتلت عمارا). ألم یقل الرسول صلی الله علیه وآله فی عمار (عمار ملئ إیمانا من رأسه حتی مشاش قدمیه)؟ قلت له نعم، قال: فمن أین جاء؟ فأین له وجه الاجتهاد كی یحصل علی



[ صفحه 32]



نصف الأجر وهو قد قتل الصحابی الجلیل عمار بن یاسر الذی قال فیه رسول الله صلی الله علیه وآله. (صبرا صبرا آل یاسر فإن موعدكم الجنة). فأین له من عمار بن یاسر.؟ وجاء اللیل وجاء الصراع، عقلی یقول هل علماؤنا مضللون عبر التاریخ؟ هل علماؤنا ضحایا لإعلام مضلل؟ تفكیرهم قائم علی الطریقة التقلیدیة الموروثة. لا یقبلون النقاش والحوار ومن خالفهم فی الرأی اتهموه بالكفر وفسقوه وضللوه وأقاموا علیه الدنیا وأقعدوها لأنه خالفهم فی الرأی، وأخذوا یشهرون به فی المجالس، ویحذرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلا لا یعرفون الإجابة علیه أو لا یریدون الخوض فیه. أستاذی العالم لا ترید أن تبحث فدعنی أبحث دعنی أقرأ.. دعنی أفكر فإلی متی (ممنوع أن تقرأ، ممنوع أن تبحث، ممنوع أن تفكر) إلا بإذن من الشیخ وإلا فسقنی ودمرنی وأقام علی أهل البلد الله أكبر ما هذه السلطة المستبدة..؟ ما هذه الدكتاتوریة؟ نفسی تقول... إیاك أن تقرأ!! الرعب مسیطر علیها تحذیرات الشیخ فی المنطقة والشیخ الدكتور عبد الفتاح صقر، والتحذیرات الحادة من الشیخ طارق اللحام دوامة لا أعرف متی الخروج منها؟ فاستیقظت لیلا من شدة الصراع الذی أرهقنی وهد كیانی، أفكار هذا الصدیق الشیعی وطریقته فی الحوار مقنعة. إذا كان هذا الكتاب علی ضلال فلیرد علیه علماؤكم؟!! فلیحاوروا هذا الكتاب، وإلا فإن هذا الكتاب كتاب صحیح...؟ وكیف



[ صفحه 33]



تفكر وتقول (سیدنا معاویة (رض)؟ قتل سیدنا عمارا (رض) وسیدنا معاویة (رض) سم أو قتل سیدنا الحسن (رض) والحسن معروف بسید شباب أهل الجنة ما هذا التناقض الحاد؟ هل الدین جاء بالتناقض؟ لا والله. لم یأت بالتناقض. وفی الیوم الثانی وبعد أن انتهینا من العمل قلت لأخی ما رأیك فی أن تنزل معی إلی بیروت قال لی: أنا متعب جدا هذا الیوم. فعزمت أن أنزل لوحدی وذهبت إلی مسجد صبرا والتقیت بالشیخ صالح عیزوقی وبعد أن أدیت فریضة صلاة المغرب خلفه قلت له: شیخنا الجلیل: لدی بعض الأسئلة فسألنی من أین الأخ؟ فأجبته من سوریا. فقال لی أنا درست فی دمشق. وتتلمذت علی شیوخ دمشق. فقلت له: سماحة الشیخ.. أریدك أن ترشدنی إلی كتب الصحاح وهل كتب الصحاح كلها صحیحة عندنا أهل السنة؟ فأخذنی إلی جانب من الناس وقال لی: یا بنی رحم الله من قبلنا إن الصحاح عندنا ملیئة بالمسیحیات والإسرائیلیات وتغییر بعض الحقائق.. فقلت له البخاری ومسلم هل فیه مسیحیات وإسرائیلیات؟ قال نعم: كلها جاءتنا عن طریق كعب الأحبار الیهودی، وتمیم الداری المسیحی وغیرهما، قلت له: سماحة الشیخ... ما تنصحنی؟ هناك صدیق شیعی نعمل أنا وإیاه فی ورشة عمل فی خلدة وقدم لی كتابین للقراءة (المراجعات، ثم اهتدیت) وصار له فترة بعد أن امتنعت عن قراءتهما بسبب فتاوی من علمائنا، أصبحت محرجا أمامه فی بعض الحوارات، فقال لی یا أخی: المذهب الخامس



[ صفحه 34]



لدیهم الاجتهاد مفتوح أما قصة الحوار فهم أذكیاء فیه بسبب ظلمهم واضطهادهم عبر التاریخ من السلطات فاضطروا بكل السبل وأسالیب فن الكلام للدفاع عن أنفسهم مما جعلهم یغربلون الصحاح عندنا وكتب التاریخ لیثبتوا أنفسهم لأن علماءنا علماء المذاهب الأربعة لم یعترفوا بهم كمذهب قائم. لكن أنصحك بعدم الخوض فی حوارات معه مع صدیقك هذا لأن القضیة شائكة والبحث طویل وطریق صعب ومتعب هم لدیهم أدلة مقنعة ونحن لدینا أدلة مقنعة فاتركه یا أخی فودعت الشیخ صالح ورجعت إلی مكان عملی. أفكر بكلمات الشیخ صالح. وجاء اللیل، وجاء التفكیر، لدیهم أدلة مقنعة، ولدینا أدلة مقنعة فقلت ما دام لدیهم أدلة مقنعة كما قال لی الشیخ ما المانع من أن أقرأ كتاب المراجعات وكتاب ثم اهتدیت؟ وأقف علی هذه الأدلة. وقعت فی تناقض حاد، الشیخ المصری حذرنی!! والشیخ طارق حذرنی!! والشیخ فتح الباب ولكن فی مصراع واحد، لماذا لا أكمل رحلة البحث؟ فسألت أحد أصدقائی من الذین یعملون معنا فی الورشة، فقلت له من یصلی عندكم إماما للجماعة؟ فقال لی: نحن فی برج البراجنة عندنا شیخ كبیر اسمه الشیخ إسماعیل عرناسی (جامع العرب) وفی الیوم الثانی وبعد الانتهاء من العمل ذهبت إلیه حیث انتظرت فی المسجد موعد صلاة المغرب ومجئ الشیخ: فجاء الشیخ وصلینا خلفه جماعة، وعندما انتهی صافحته واقتربت منه فقلت له سماحة الشیخ: أنا شاب سوری وأعمل فی ورشة فی منطقة خلدة واشتغل مع صدیق شیعی، وكل ساعة یحاورنی فی الدین ویسألنی ویحرجنی فما تنصحنی



[ صفحه 35]



بالله علیك أیها الشیخ وتریحنی؟!! فقال لی یا بنی صار لی أكثر من أربعین سنة فی هذا المسجد ولم أختلط مع واحد شیعی والكل یعلم ذلك، لكن أنصحك هؤلاء الشیعة یقولون فی آخر الصلاة (تاه الوحی ثلاث مرات وینسبون أقوالا للرسول صلی الله علیه وآله ویقولون قال الإمام علی.. فقلت له شیخنا الجلیل أنا قرأت فی كتیب لتعلیم الصلاة عندهم حیث یقولون آخر الصلاة ثلاث مرات الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر. فرد علی یا بنی ماذا تعرف من دهاء هؤلاء الشیعة إنهم یستعملون التقیة. وإمامهم الصادق یقول (التقیة دینی ودین آبائی). فرجعت إلی مكانی مخذولا. تائها.. محتارا. وأوشكت من أن أصاب بأزمة نفسیة، وسیطر علی القلق. بحیث لم أعد أستطیع العمل، أصبت برجفة حادة وقشعریرة فأخذنی أخی إلی الدكتور، وقال لی الدكتور: جسمیا لا یوجد فیك شئ فأنت مرهق نفسیا وفكریا، یا أخی بماذا تفكر.؟ هذه الدنیا لا تستحق التفكیر، خذ إجازة من العمل وسافر إلی البلد... فنمت یومین فی الفراش، محاولا التخلص من التفكیر وصرت أجلس مع أصدقائی أشاهد برامج التلفزیون والمسلسلات لأروح عن نفسی التعب والإرهاق. وبعدها عزمت أن أكمل قراءة كتاب المراجعات، وقلت لصدیقی الشیعی: إذا سمحت غدا اجلب لی معك كتاب المراجعات ففرح صدیقی. وقال أین أنت هذین الیومین فقلت له مكابرا والله إن أعصابی وجسمی مرهقان وأخذنی أخی دحام إلی الدكتور، وقال لی تحتاج إلی إجازة وراحة من العمل.



[ صفحه 36]



وفعلا فی الیوم الثانی أتانی صدیقی الشیعی بكتاب المراجعات وبدأت بالقراءة فیه حتی وصلت إلی ص 71 فاستوقفنی مقال للشیخ الأنطاكی الحلبی المتشیع (الاختلاف بین المذاهب الأربعة) واستوقفتنی أقوال للإمام علی (كرم الله وجهه) ما أقواها وأشدها وطا وأثرا علی النفس فی ص 75. قوله: (نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب، ولا تؤتی البیوت إلا من أبوابها). فمن أتاها من غیر أبوابها سمی سارقا. ثم قال فی ص 82 وإلیك بیان ما أشرنا إلیه من كلام النبی صلی الله علیه وآله إذ أهاب بالجاهلین وصرخ فی الغافلین، فنادی: (یا أیها الناس إنی تركت فیكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتی أهل بیتی) وقال صلی الله علیه وآله: (إنی تارك فیكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدی: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض، وعترتی أهل بیتی، ولن یفترقا حتی یردا علی الحوض، فانظروا كیف تخلفونی فیهما) [1] .

فسجلت مصادر الحدیث الذی ینقلها العالم الشیعی فی كتابه (المراجعات) وبعد یومین نزلت إلی مكتبة دار الفتوی (عائشة بكار) لأفتش عن المصادر لأری



[ صفحه 37]



مدی صدق الشیعة فی أقوالهم، وفعلا عندما أتیت بصحیح الترمذی فوجدت الحدیث، فشعرت بالانتصار النفسی وفرحت فرحا شدیدا، وتابعت المصادر فأنزلت تفسیر ابن كثیر. فوجدت فیه الحدیث.. الله أكبر الله أكبر!! صرت أصیح ما هذا الإنتصار.؟ إصبر إصبر أحدث نفسی تابع البحث لا تیأس، أشجع نفسی الآن ولیس غدا یجب الذهاب إلی الشیخ عبد الفتاح صقر، لأناقشه فی هذا الحدیث الذی سجلت مصادره عندی بورقة وضعتها فی جیبی وأغلقت علیها كأنی عثرت علی كنز!! أحدث نفسی إصبر تابع البحث فصبرت نفسی علی فرحها الشدید. ورجعت أتابع القراءة وأی شئ كان یثیرنی كنت أسجله وأنزل إلی المكتبة فقط أنزل إلی مكتباتنا حذرا من الصحاح الموجودة عند الشیعة كما یقول علماؤنا السنة أغلبها مزورة ومحرفة!! وأثارنی حدیث آخر استغربت منه أشد الاستغراب: عن زید بن أرقم قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: (من یرید أن یحیا حیاتی، ویموت موتی، ویسكن جنة الخلد التی وعدنی ربی، فلیتول علی بن أبی طالب، فإنه لن یخرجكم من هدی، ولن یدخلكم فی ضلالة) [2] .



[ صفحه 38]



فسجلته وسجلت مصادره وتابعت القراءة إلی أن وصلت ص 137 حیث جاءت آیة قرآنیة تقول (إنما ولیكم الله ورسوله والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة ویؤتون الزكاة وهم راكعون) [3] المائدة: 55. وأخرج النسائی فی صحیحه نزولها فی علی عن طریق روایة عبد الله بن سلام. وأخرج نزولها صاحب الجمع بین الصحاح الستة فی تفسیر سورة المائدة. وأخرج الثعلبی فی تفسیره الكبیر نزولها فی أمیر المؤمنین. فراجعت المصادر ووقفت علیها واستدل العالم الشیعی علی أن الولایة بعد الله ورسوله لعلی بن أبی طالب. وتابع القول فی آیة أخری: (یا أیها الرسول بلغ ما أنزل إلیك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله یعصمك من الناس إن الله لا یهدی القوم الكافرین) [4] .

ویقول ألم یصدع رسول الله صلی الله علیه وآله بتبلیغها عن الله یوم الغدیر حیث هضب خطابه وعب عبابه فأنزل الله یومئذ: (الیوم أكملت لكم دینكم وأتممت علیكم نعمتی ورضیت لكم الإسلام دینا) [5] ألم تر كیف فعل ربك یومئذ بمن جحد



[ صفحه 39]



ولایته علانیة وصادر بها رسول الله جهرة فقال: (اللهم إن كان هذا هو الحق فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم فرماه الله بحجر من سجیل كما فعل من قبل بأصحاب الفیل، وأنزل فی تلك الحالة: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرین لیس له دافع) [6] .

وهنا جاء التأمل والصراع، والمسألة مع النفس ومع الذات.. فراجعت المصادر ووقفت علیها ووجدت صدق ما یأتی به العالم الشیعی فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقیقة بالتاریخ والسیرة والصحاح واستهوانی الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش وصرت أفكر یا إلهی أین كنت أنا؟ أین علماؤنا من هذه الكتب؟ فهل یعرف علماؤنا ما فی هذه الكتب من أدلة ویتعمدون طمس هذه الحقائق عنا؟ لأنه لیس من اختصاصنا البحث فی الدین وإنما هو حكر علی الشیوخ والعلماء فقط، أم أنهم لا یعلمون حقیقة هذه الكتب؟! وتابعت القراءة إلی أن وصلت إلی الخطبة الشقشقیة ص 680 من المراجعات. فاستوقفتنی خطب ومناشدات للإمام علی علیه السلام وشدت انتباهی. وأسرت تفكیری لما فیها من البیان والتصریح عن مظلومیته بعد النبی صلی الله علیه وآله حیث كان یبث شكواه من خلال هذه الخطب والمناشدات فیقول إمامنا علی علیه السلام أیام



[ صفحه 40]



خلافته متظلما یبث آلامه متألما منها حتی قال: (أما والله لقد تقمصها فلان وهو یعلم أن محلی منها محل القطب من الرحی، ینحدر عنی السیل، ولا یرقی إلی الطیر، فسدلت دونها ثوبا. وطویت عنها كشحا، وطفقت أرتئی بین أن أصول بید جذاء، أو أصبر علی طخیة عمیاء، یهرم فیها الكبیر، ویشیب فیها الصغیر، ویكدح فیها مؤمن حتی یلقی ربه، فرأیت أن الصبر علی هاتا أحجی، فصبرت وفی العین قذی، وفی الحلق شجا، أری تراثی نهبا...) الخ الخطبة. وكم وقف متظلما من القوم یبث شكواه قائلا: (اللهم إنی أستعینك علی قریش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمی، وصغروا عظیم منزلتی، وأجمعوا علی منازعتی أمرا هو لی، ثم قالوا: ألا إن فی الحق أن تأخذه وفی الحق أن تتركه). یا الله!! ما أعظم هذه الكلمات؟ إنها تخرق الحجر، ولیس الدم واللحم، فیتابع قوله: (فنظرت فإذا لیس لی معین إلا أهل بیتی، فضننت بهم عن الموت، أغضیت علی القذی، وشربت علی الشجا، وصبرت علی أخذ الكظم، وعلی أمر من طعم العلقم). فصرت أتساءل.. ما ذنب علی علیه السلام فی التاریخ؟ الله أكبر وأتابع البحث من جدید وأشحذ همتی كی أستطیع التأمل والتفكر فی مناشدات وخطابات سیدی وإمامی علی علیه السلام روحی فداه. ما قرأت مقطعا من كلماته إلا وانهمرت دموعی!! ومرة أخری یبث شكواه بمرارة (فجزت قریش عنی الجوازی، فقط قطعوا



[ صفحه 41]



رحمی وسلبونی سلطان ابن أمی). (أین الذین زعموا أنهم الراسخون فی العلم دوننا، كذبا علینا وبغیا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم، بنا یستعطی الهدی، ویستجلی العمی، إن الأئمة من قریش غرسوا فی هذا البطن من هاشم، لا تصلح علی سواهم، ولا تصلح الولاة من غیرهم). وقوله أیضا فی خطبة له خطبها بعد البیعة له: (لا یقاس بآل محمد صلی الله علیه وآله من هذه الأمة أحد، ولا یسوی بهم من جرت نعمتهم علیه أبدا، هم أساس الدین، وعماد الیقین، إلیهم یفئ الغالی، وبهم یلحق التالی، ولهم خصائص حق الولایة وفیهم الوصیة والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلی أهله، ونقل إلی منتقله). فكلمات الإمام بعد البیعة تؤكد علی صدق ما ذهبنا إلیه. فكلما وصلت إلی مقطع.. یزداد ألمی. هذه الكلمات القویة لا تخرج من إنسان عادی، كلمات بحد ذاتها معجزة، یتدفق الإشعاع منها إلی أعماق قلبی، عبارات رصینة أدلة قویة تسیطر علی القارئ المتدبر. وحسبك قوله فی خطبة أخری: (رجع قوم علی الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا علی الولائج، ووصلوا غیر الرحم، وهجروا السبب الذی أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه فی غیر مواضعه، معادن كل خطیئة، وأبواب كل ضارب فی غمرة، قد ماروا فی الحیرة، وذهلوا فی السكرة، علی سنة من آل فرعون، من منقطع إلی الدنیا راكن، أو مفارق للدین مباین) فما تمالكت من نفسی إلا والدموع تعاودنی بالانهمار فوقفت مبهوتا من هذه الأمة وهؤلاء القوم الذین یدعون الإسلام!! ما أقوی هذه



[ صفحه 42]



الكلمات؟ تركت نفسی تقرأ بكل ما أمتلك من تركیز. لأنی أقرأ كلمات من؟ سید الوصیین وخلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وكل ذلك لم أكن أعلم بعد صدق هذه الخطب ولكنها هزت مشاعری وسیطرت علی وصرت أتساءل: هل هذه الكلمات تصدر من الإمام علی علیه السلام؟ هل غصبت الخلافة من عنده؟ هل هذه الكلمات لها سند معتبر؟ فبدأت تنهال علی موجات عارمة من الأسئلة. وتابعت البحث حتی عثرت علی مناشدة للإمام علی علیه السلام یوم الشوری. وما أدراك ما یوم الشوری؟!!


[1] الحديث الأول يذكره من صحاحنا: صحيح الترمذي: ج 5، ص 28، ح 3874 - طبعة دار الفكر في بيروت، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 232 طبعة الحيدرية. وتفسير ابن كثير ج 4، ص 12، طبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 114 طبعة الحلبي. جامع أصول الأثير: ج 1 ص 187 ح 65 طبعة مصر. والحديث الثاني نفس المصادر.

[2] أخرجه الحاكم في آخر ص 128 من الجزء 30 من صحيحه المستدرك. وأخرجه الطبراني في الكبيرة وأبو نعيم في فضائل الصحابة وهو الحديث 2577 من أحاديث الكنز في ص 155 من جزئه 6 وأورده في منتخب الكنز أيضا فراجع هامش ص 32 من الجزء 5 من المسند.

[3] وقفت علي صحة هذه الأقوال: يقول العالم الشيعي: أجمع المفسرون كما اعترف به القوشجي الأشعري وهو من فطاحل علماء السنة في مبحث الإمامة من شرح التجريد علي أن الآية نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه وهو راكع.

[4] آية التبليغ المائدة: 67 نزلت هذه الآية يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة في حجة الوداع في رجوع النبي (ص) من مكة إلي المدينة في مكان يقال له غدير خم. فأمر الله نبيه (ص) أن ينصب عليا إماما وخليفة من بعده.

[5] سورة المائدة: آية 3، هذه الآية نزلت يوم الغدير 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة بعد أن خطب النبي أصحابه ونصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة من بعده.

[6] سورة المعارج: 1 - 3، نزلت هذه الآيات في النعمان الفهري لما شك في تنصيب النبي لعلي عليهم السلام الخلافة فوقع عليه العذاب. راجع: شواهد التنزيل: للحسكاني الحنفي: ج 2، ص 286 حديث: 1030 - 31 - 32 تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 30.